" لا ليس انا ...انا لم افعل شئ صدقونى ... انا لم اقتل احد .... لماذا لا يصغى الى احد منكم .... اتركونى ... الى اين تذهبون بى .... " كان الاطفال يمسكون به جيدا ويسيرون به فى خطى سريعه الى حيث عرش الرحمن ولا يقولوا الا كلمه واحده .. "القصاص القصاص ... يارب اسئله بأى ذنب قتلنا ؟" وعلى وجهه ترى علامات الفزع و الهول ... وفى الخلفيه اوناس كثيرون يهرولون نحوه هو والاطفال يريدون اللحقاق بهم فهم ايضا لديهم معه شأن .... وهو يزداد شحوبا ولا يستطيع ان يفلت منهم " ..... يصحوا ويظل لبرهه لا يصدق انه استيقظ من هذا الكابوس الرهيب ...يحاول ان يصل الى كوب الماء ولكن قدماه لا تستطيع حمله ...وفجأه يرن الهاتف .. .. يجيب وهو يتصنع التماسك " ماذا هناك ؟ .. سيدى.. الرئيس .. لقد أمر النائب العام بحبسك على ذمة التحقيقث خمسة عشر يوما " تدور عينيه فى محجرتهما ويسقط مغشى عليه .
حركة غير عاديه فى مستشفى السجن ... الجميع يهرولن .. يقفون مع بعضهم فى دوائر يريدون استطلاع الامر .. كلهم فضول ليعرفوا من القادم ولماذا كل هذه الحركة الغير عاديه ... من بعيد ترى عم نصر يمشى بثبات وثقه .. قدماه تكاد تخترق الاضى وهو يمشى ... وجهه تعلوه ابتسامة رضى وسعاده نادرا ما شوهد بها ... نظراته ثاقبه وكأنه يرى الغيب ... وبرغم ان عمره يقترب من الستين عاما ولكنك تشعر انه اليوم فى حيويه وطاقة شاب فى العشرين .... يدلف الى احدى غرف المستشفى ويقوم بتهيئتها للقادم .... فيضع بعض الصور هنا ... وبعض الصور هناك ... يعيد ترتيب محتويات الغرفه ... يطمئن ان السرير نظيف ومرتب ... ويضع على باب الغرفه من الداخل صوره كبيره بطول الباب .... وعند النافذه يضع علما بدلا من الستائر .... يقف عن باب الغرفه لبرهه يتأملها ثم تعلوا ابتسامه عريضه وجهه وينصرف .
يفيق و بالتدريج يحاول استيعاب ماذا حدث ... اين انا ؟ يسأل نفسه ... وما هذا المكان ؟ وما كل هذه الصور؟ ومن اتى بعلم فلسطين عند النافذه ؟... انا لا احبه انه يثير اعصابى ... يحاول ان يقوم ولكنه لا يستطيع ... يدرك انه مقيد بأساور حديده فى معصه الى حرف السرير ... يصرخ ..ما هذا ..هل جننتم !!!! ... انا محمد حسنى مبارك لا يستطيع احد ان يفعل ذلك بى ابدا ..... يدخل عم نصر من الباب ويغلقه خلفه فى هدؤء ...ينظر اليه نظره ثاقبه جمدة الدماء فى عروقه ... وجعلة يصمت فجأه عن الثوره والغضب التى كان بها ...يرتعش صوته ويسأله من انت؟ واين انا ؟ ....... يصمت عم نصر لبضع ثوانى قبل ان يجيبه " انت هنا فى مستشفى سجن طره العمومى ..... وانا السجان المكلف بحراستك وادعى نصر محمد امين . "
دعنى اعرفك بنفسى : انا كما قلت لك ادعى نصر محمد أمين اسكن فى الدويقه .. متزوج ولدية ثلاث أبناء ... عائلتى من محافظة سوهاج ... ولعلك تتسأل عن هذه الصور ..لقد وضعتها لك بنفسى ... هنا توجد صور أبنتى الكبرى " أمل " كما ترى انها جميله وكان لى منها حفيدين ولكنهم ماتوا جميعا فى غرق العباره السلام 98 .... هل تتذكرها ...ام يا هل ترى نسيت ... علامات الدهشه التى على وجهة تقول انك نسيت .. حسناّ لا بأس انظر هنا ... هذه صور ابنى الاوسط " أشرف " كان طالبا فى كلية الصيدله جامعة القاهره ...وكان حنون جداعليا وعلى والدته ... ولكنه رحل هو الاخر عندما انهارت صخرة الدويقه فوق منزلنا .... كنت انا فى السجن هنا عندما جائنى الخبر .... أراك لازلت مندهشاّ ...حسناّ ... هذه صورة زوجتى " أم أشرف " كما ترى هى لا تبدوا بخير فبعد الحادث اكتشفنا انها لديها سرطان فى المعده ... ونحن نناضل كى تحصل على علاجها على نفقة الدوله فكما ترى انا لا املك ان اعالجها على نفقتى وعلاج السرطان كما تعلم يتكلف الكثير ..... ولعلك تتسأل عن الصوره الكبيره هذه لمن ؟ صح.. استطيع ان ارى ذلك فى عينيك ... هذا ابنى الاصغر " يوسف " كان قرة عينى وكان يحب ان يذهب الى اعمامه والعائله فى سوهاج كتيرا ... ولهذا كان دائما ما يركب القطار فهو احسن طريقه للوصول .... واخر مره اراه فيها كان يحدثنى عن احلامه فى انه بذل مجهود كبير فى الثانويه العامه وانه يريد ان يكون مهندس اتصالات ولهذا سيبذل كل ما يستطيع لكى يلتحق بكلية الهندسة ..... وبعدها بأيام ...كنت انا هنا فى الخدمه ... عندما احترق قطار الصعيد ... لتلتهم النيران ولدى واحلامه .....
اعتقد ان هذا يكفى لكى تعرف من انا... ولماذا انت هنا ...ولماذا كل هذه الصور ..... لقد انتظرت هذه للحظه كتيراّ .... كنت دائما اراها فى منامى كأنها نبوءه ..... وعندما كنت احدث بها احد اصدقائى كان يربت على كتفى ويمصمم شفاه حسرتاّ على ويقول ان الله لن يضيع دعوة المظلوم ابدا .... ويصمت ولسان حاله يقول انى احلم وانى جننت .... هل يعقل ان تسجن انت واكون انا المكلف بحراستك .... ان هذه لهى بحق سخرية القدر .... ولكن عند الله لا يوجد شئ اسمه مستحيل او لا يمكن .... اريدك ان تستعيد عافيتك قريبا... فهنا كل احبائك وحاشيتك ستراهم عندما تخرج لكى تتريض ..... انتظر ..لقد اعتدت لك مفأجاه اخرى اسمع " الشعب يريد اسقاط النظام ... الشعب يريد اسقاط النظام ...الشعب يريد اسقاط النظام " هااااااااااا ما رأيك ؟ لقد احضرتها لك خصيصا عندما علمت بأنك ستأتى الى هنا وطلبت من الله ان اكون فى شرف استقبالك ..... كف عن الدوران حول نفسك وتأمل صور بعض ضحاياك جيدا... فعما قريب ستراهم يطبقون على رقبتك ويسيرون بك الى عرش الرحمن ويقولون: " يا الله أساله باى ذنب قتلنا ؟ "..... حاول ان تحضر اجابه وان كنت اعلم انك لن تستطيع ان تنطق وسيسيح لحم وجهك من الخجل امام حضرة الله وستشهد عليك اعضائك بما ارتكب واقترفت فى حق شعبك المسكين وحق شعب فلسطين وغزه خصوصا ولهذا اثارت ان اضع لك علم فلسطين كى تتذكر ....
يتركة عم نصر ويخرج ويغلق الباب ..... مبارك ينظر للصور ويشعر كأنما دبت فيها الحياه كلها مره واحده ..... يشعر انهم بالفعل يتحركون نحوه .... يصرخ .. " لا ليس انا ...انا لم افعل شئ صدقونى ... انا لم اقتل احد .... لماذا لا يصغى الى احد منكم .... اتركونى ... الى اين تذهبون بى .... " .... يتحرك علم فلسطين مع نسمات الهواء الساخن التى هبت بالتزامن مع صرخاته ..... وفى الخارج يجلس عم نصر مبتسما فى هدوء يقراء بعض ايات سورة ال عمران "
| ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)" |
